السلام عليكم،
لا أستطيع حصر ما تعلمته من والدتي رحمها الله ولا الكم الهائل من المهارات التي أتعلمها الان من خلالها ومن خلال تذكر ما كانت تقوله لي وتفعله.. كانت والدتي محبة للعلم ولديها شغف شديد من أجله.. وتتميز أنها قارئة نهمة.. وتملك مهارة القراءة السريعة.. فحين أنتهي من كتاب بعد أيام متفرقة.. أطلب منها رأيها به وقرائتها له.. فأتفاجأ بها رحمها الله في ليلة واحدة وقد أنهته ولخصته لي وأخبرتني رأيها.. زو أطلب منها قرائته قبل أن أبدأ وأسألها (يسوى أقراه ولا بضيع وقتي؟) ثم تخبرني صباحاً إن كان من الجيد قراذته أم لا.. (أفتقد رأيها الان فيما أقرأ) الحمدلله أن علمتني كيف تكون قراءة الكتب بعين ناقد محايد.. أن جعلت لي طريقاً أستطيع من خلاله ممارسة الحياة كما أحب..
أما الشغف!
أو ربما التصميم على فعل ما.. فقد عرفته منها بعد أن حكت لي عن قصتها مع (سم الخياط) وسأحكيها لكم كما قالتها لي وأنا في المرحلة المتوسطة:
(كانت والدتي في مرحلة المعهد الثانوي.. وقرأت الآية في أحد دروسها (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف:40]. وتساءلت ماذا يعني سم الخياط الذي سيدخل الجمل به وبعد ذلك سيتم قبول من كذب بآيات الله سبحانه وتعالى.. لم تجد رداً من أحد.. ولم تسأل كثيراً لكنها لم تنم تلك الليلة إلا حين بحثت وقرأت تفسير الاية لتكتشف ماذا يعني سم الخياط وتعرف تحديداً أنه ثقب الإبرة وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك فإن العرب تسميه “سماً ” وتجمعه”سموماً”. وأما الخياط : فإنه من المخيط وهي الإبرة.. وكانت كلمة (سم الخياط) كلمة غريبة عليها ولم تعرف ما هي التي يمكن لجملٍ أن يدخلها.. وكانت تستغرب لفظها وطريقة البلاغة التي جعلها الله في الآية تحدياً للمجرمين.. وبالطبع عليك أن تتخيل حجم البحث تلك الايام والقدرة على إيجاد تفسير للآية.. والظروف الخاصة في القراءة ليلاً وأشغال البيت والتفاصيل التي تصعب عملية البحث التي لا تتشابه إطلاقاً مع ظروفنا الحالية)
قالت هذه القصة القصيرة لي ولا أذكر سبب ذكرها لكني أتذكر (سم الخياط) دائما كدلالة على التحدي.. على الرغبة الداخلية حين تشعر أنك تحتاج أن تتعلم بنفسك، أن تبحث بنفسك، أن لا تنتظر أحداً يعلمك ما يصعب عليك.. حتى السؤال لم يكن وسيلة للبحث.. وكيف بالظروف الان أفضل بكثير من تلك الايام التي عاشتها..
الله يرحمك يمه.. علمتني حتى سم الخياط .. وهو بالنسبة لي ذلك الثقب الذي لن أنساه حين أستصعب أمراً..