يُعتبر ابن خلدون أول من قدَّم مُحاولة تعريف للثقافة وهو تعريف يقرب إلى حدٍ ما من مُصطلح الثقافة حسب ما يُتداول الآن وذلك قبل ظهور كلمة ثقافة بألمانيا بقرنين من الزمان إذ ميَّز ابن خلدون بين ثقافتين هما: ثقافة البداوة وثقافة المدن. واعتبر الأخيرة أرقى من الأولى بسبب غضارة العيش أو الثروة. ولذا فالثقافة حسب تعريف ابن خلدون هي:آداب الناس في أحوالهم في المعاش كالعمران والصنائع والفنون والدراية في مجالات الحياة اليومية في حين تتشكل آداب الناس بالتعليم والاكتساب وإعمار الفكر. وعرفت منظمة اليونيسكو الثقافة بالشمولية المعقدة التي تضم المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقوانين والطبائع وأي قدرات وعادات أخرى يكتسبها [إنسان] كعضو في المجتمع. وكمفهوم يشمل التعريفات السابقة أضاف ألفريد لين تعريف يوضح مفهوم الثقافة في المنظومة كما هو موضح في الصورة أدناه.
يواجه البعض صعوبة في تمييز ما إذا كانت الديانات ثقافة ام لا. ويتساءل بعضهم لو كانت الثقافة جزء من الأديان أم العكس. فكما تم ذكره في التعاريف السابقة الثقافة تتكون من قيم محددة يتفق عليها الفريق/ المجموعة والإتيان بهذه القيم نابع من عقيدة فطرية. مثال: عند اتفاق قيمة ”المصداقية“ بين فريق العمل. ينبع مفهوم الصدق من فطرة إنسانية تحييه وتشجعه لتجنب الضد الكذب/الخيانة في التعاملات. وبمفهوم منطقي يرى الفريق ان وجود هذه القيمة ضروري لاستمرار عمل المنظومة.
قد يتكون فريق المنظومة من أعضاء متعددي الأديان / المعتقدات فيقوم الفريق بصنع ثقافة جماعية تؤكد على احتياجات وأهداف المجموعة ككل بدلا من احتياجات ورغبات الفرد. وفي مثل هذه الثقافات، تلعب العلاقات مع أعضاء المجموعة الآخرين والترابط بين الناس دورًا رئيسيًا في هوية كل فرد. وللثقافات الجماعية سمات محددة:
- تقديم احتياجات الجماعة على الاحتياجات الفردية.
- ضرورة العمل كمجموعة ودعم الآخرين.
- تشجيع الناس على القيام بما هو أفضل للمجتمع.
- للعائلات والمجتمعات دور رئيسي مرتبط بهذه الثقافة.
تتباين ثقافة المجموعة وثقافة الفرد، فتركز الاولى على أهمية المجتمع، بينما تركز الثقافة الفردية على حقوق وتساؤلات كل شخص. هذه الاختلافات الثقافية يمكن أن تؤثر على كيفية عمل المجتمع. كيف يقوم الناس بالتسوق، اللباس، التعلم، وإدارة الأعمال سواء كانوا ينتمون إلى ثقافة جماعية أو فردية. على سبيل المثال: قد يسعى عمال يعيشون في ثقافة جماعية للتضحية بسعادتهم من أجل الصالح العام للمجموعة. ومن ناحية أخرى، يشعر من ينتمون إلى ثقافات فردية بأن رفاههم وأهدافهم تحمل وزنا أكبر.
تمثل استمرارية الانسجام داخل العلاقات الشخصية أهمية قصوى في الثقافة الجماعية. كون هذه العلاقات طويلة الأمد فيصعب تغييرها لدرجة أن عدم حفظ السلام بين أعضائها يعني التعاسة لهم أجمع.
بالعودة لمفهوم الثقافة في علم الأجناس كأنماط من التعلم ومشاركة السلوكيات لمجتمع، فئة عمرية أو عرقية. نرى ان الثقافة تكون منتجات -في الشكل أعلاه- هذه المنتجات تنتقل خلال عدة قنوات..
التعلم: من خلال التدريس.
المشاركة: في الاحتياجات.
التقولب: -من قالَب- بمعنى أن هناك مصدر يجمع أفكار متشابهة متعلق بممارسات وعقائد تظهر بشكل متكرر في اماكن مختلفة.
التكيف: حيث تساعد الأفراد على سد حاجاتهم في بيئات مختلفة.
الرمزية: يعني أن هناك علامات بسيطة تمثل شيئًا آخر، أعمق وأكثر من ذلك.
يسّرت التجارة ووسائل التواصل أجمع -شاملة المواصلات والاتصالات- التعرف على ثقافات الشعوب المتقاربة والبعيدة. وساعدت بعثات التعليم خصوصاً في المدن الحضرية -كونها متعددة الثقافات- على التقارب والتعرف والتآلف. حتى ظهرت اليوم محاولات لإعادة تصميم الثقافات المحلية حاملة ذات المباديء ولكن بقالب معاصر يتماشى مع الاتجاهات الشائعة. اختلفت المحاولات فالبعض قام باستيراد عناصر ثقافية من مناطق أخرى وإحضارها كما هي في البيئة المحلية، بينما قام آخرون بتغيير بسيط أدى لتقليد عناصر ثقافية مختلفة ووضعها في البيئة المحلية. وعلى مر فترة زمنية بسيطة من تكرار الاستيراد/التقليد سيلاحظ فقدان العناصر التي يُحتفى بها كمظهر من مظاهر الثقافة كالمنتجات والسلوكيات التي تبتكرها الشعوب في ظروف وُجدت فيها لا مُستعارة ولا مُقلدة من شعب آخر.
الثقافة كالجاذبية لا يمكن عيشها إلا بعد قفز ٦ أقدام في الهواء.. لا يمكن رؤية أصل الثقافة على السطح. فهي الأساليب المشتركة بين مجموعة من الأفراد لفهم وتفسير العالم. فواقع أن جميعنا بإمكانه استماع مقطوعة صوتية عبر سماعات الأذن وتناول شطيرة البرجر يخبرنا أن بعض المنتجات نبيلة ويمكن بيع رسالتها للعالم أجمع، لكنها لا تخبرنا معنى أكل البرجر او الاستماع للمقطوعة الصوتية في الثقافات المختلفة (ترومبينارز ١٩٩٣:٦،٣) شكراً لوصولك حتى نهاية هذا المقال وهو جزء من تحدي كتابة ٣٠ مقالة خلال ٣٠ يوم، بامكانك مساعدتي عبر اقتراح مواضيع للكتابة / طرح أسئلة في المجال.