يرتكز التصميم التعاطفي على استدراج رغبات وحاجات الناس، بينما يقوم مدخل إدارة المنتجات التقليدي بدمج تركيز خارجي على سوق العمل وآخر داخلي على التقنيات المتاحة في المنظومة. في هذه المقالة الثالثة لسلسلة (التعاطف) سأقوم بسرد مثال مبني على عملية التصميم التعاطفي.
يقول جون كوكلو: كنت نائباً لرئيس التصميم في (ماي إي دي يو) حيث نركز على مساعدة الطلاب لنجاحهم عبر العملية التعليمية التي يمرون بها في الجامعة بالإضافة لمساعدتهم في عرض انجازاتهم الأكاديمية هادفين لتوظيفهم في سوق العمل. منتجنا ببساطة هو أداة رقمية تحوي أدوات تخطيط من ضمنها صانع جداول دراسية. بدأنا بعد ذلك ببحث سلوكي تعاطفي لضمان توظيف عدد أكبر من الطلاب. ويركز البحث على ما يفعله الجمهور بدلاً مما يقوله فنزلنا المباني السكنية للطلاب وقمنا بملاحظات عديدة لكافة النشاطات التي يمارسونها (حل الواجبات، مشاهدة التلفاز، تسجيل المواد). بكل بساطة، كان هدف الملاحظة جمع مشاعر بديهية تعبر عن ما يعني أن تكون طالب في الجامعة. قمنا بتكرار هذا البحث مع ملاحظة العينة المقابلة -مسؤولي التوظيف في الشركات- أثناء الحديث مع الطلاب وحصر النشاطات التي يقومون بانجازها للعمل على ضمان توظيفهم. يقتصر هذا النوع من البحوث على الملاحظة أما التحدي فيكمن في قبول العينة المنتقاه لخوض علاقة قصيرة المدى معك كباحث خلال وقت قصير.
بعد عملية البحث نقوم بعرض تسجيلاتنا “كاملة”، وهذه خطوة أساسية كونها ترسّخ صوت العينة المنتقاة في أذهاننا كباحثين. بينما نستعرض التسجيل، نستوقفه ونعيده، نبدأ بالتفكير بنفس المنظور الذي تفكر به العينة المنتقاه. ثم نقوم بقراءة ملاحظات الأفراد ونسلط الضوء على النقاط البارزة، ونقوم بتحريك الملاحظات وتصنيفها لمجموعات، نقوم بتسمية هذه المجموعات إلى (يقوم الطلاب بكتابة سير ذاتية لهدف الحصول على وظيفة) بدل من (خدمات وظيفية) او (التوظيف). وبعد استعراض المجموعات والملاحظات نبدأ عملية التحليل بطرح أسئلة كـ (لماذا يقوم الطلاب بكتابة سير ذاتية لهدف الحصول على وظيفة؟) ونجيبها من المحتوى المتوفر (لانهم يظنون ان مسؤولي التوظيف بحاجة لرؤية سيرة ذاتية) وهنا تستدرج أسئلة متكررة تبدأ بـ لماذا مستفتحين خطواتنا نحو انتاج ابتكاري. تعقبها سلسلة من استنتاجات نابعة من تصرف انساني صادق.
بعد مرحلة كتابة الاستنتاجات نقوم بمقارنتها ودمج ما يتناسب منها لهدف طرح قيمة مضافة للمنتج، بعدها نحصر النتائج باستخدام عبارة (ماذا لو؟) مثال: ماذا لو قمنا بتعليم الطلاب طرق جديدة للحصول على وظيفة؟ ماذا لو عرضنا مسارات بديلة للوظائف؟ ماذا لو ساعدنا الطلاب بالتعرف على مهاراتهم وتقديمها لمسؤولي التوظيف بطريقة تحمل المصداقية؟. تعتبر القيمة المضافة وعد للفئة المراد تقديم المنتج لها. فنحن نعد الطلاب لو قاموا باستخدام منتجنا، سنساعدهم بالتعرف على مهاراتهم وعرض تلك المهارات على مسؤولي التوظيف. لو فشلنا بتأدية هذا الوعد سيخوض الطلاب تجربة فاشلة مع منتجنا وسيرحلون. بعدها نقوم بسرد القصص التي تحكي تسلسل استخدام منتجنا بدءا من كيفية الحصول عليه، استخدامه، واستقبال الوعد المنشود. بعدها نصنع هذا السرد بالأدوات التصميمية التقنية (واجهات، عناصر بصرية، دراسات حركية، غيرها من الأدوات تصميم المنتجات الرقمية).
يساعد المنتج طلاب الجامعات تعريفهم بمهاراتهم وعرضها على مسؤولي التوظيف بصورة ذات مصداقية عالية
استعراضاً للنتائج، حصد المنتج أكثر من مليون صفحة لطالب جامعي، وخلال فترة التسجيل الاكاديمي شاهدنا نمو بين ٣٠٠٠-٣٥٠٠ صفحة جديدة للطلاب خلال اليوم الواحد. بعدها استحوذت على منتجنا شركة برمجيات تعليمية “بلاكبورد” ودمجت منتجنا لنظام إدارة التعلم شاهنا نمو بين ١٨،٠٠٠ — ٢٠،٠٠٠ صفحة طالب جامعي يومياً.
عملية التصميم التعاطفي ليست صعبة وليست جديدة، هناك شركات متعددة تتخذها مسارها الأساسي لصناعة وتطوير المنتجات. لكن معظم الشركات يرى ان هذه العملية تتطلب تعلم فكر غير معتاد عليها. فهي مبنية على معلومات عميقة ذات جودة بدل إحصاءات وبيانات السوق. هي تحتفي بالناس بدل التقنية، وتتطلب تحديد وتصديق الاستنتاجات السلوكية التي تحمل نسبة من المجازفة.
شكراً لوصولك حتى نهاية هذا المقال وهو جزء من تحدي كتابة ٣٠ مقالة خلال ٣٠ يوم، بامكانك مساعدتي عبر اقتراح مواضيع للكتابة / طرح أسئلة في المجال
تُرجمت هذه المقالة -بتصرف وتحليل الكاتبة- إلى اللغة العربية من عملية تصميم المتنجات التعاطفية، جون كولكو، هارفرد بزنس ريفيو ٢٠١٤م