يدخل الباب بهدوء.. يقترب من منطقة الجلوس، يزداد اقتراباً حتى يضع كفه على كتفك وعيناه لا تفارق عيناك، ثم يقول: أعلم تماماً ما تمر به، بالطبع هو أمر صعب ولا يمكن تجاوزه بسهولة. لكن من واقع تجربة سابقة أنصحك بممارسة رياضة معينة والدوام على فعل كذا وكذا.. صدقني، هذا الوقت سيمضي!
يظن الكثير أن الموقف السابق يشرح تماماً صفة التعاطف وفرقها عن المواساة، لكن واقع الأمر ما تم وصفه هو مواساة سطحية تكاد تمس التعاطف. يعد التعاطف جذور الاهتمام فاهتمامك ليس بالضرورة نابع من التعاطف ولكن تعاطفك بالتأكيد ينبع من اهتمامك. يعرف تيم براون التعاطف التصميمي بالعملية التي تتعامل مع الإنسان ككيان بدل المستخدم كحزمة من المعلومات الادخالية اللازم تواجدها في معادلة التصميم.
يلعب إدراكنا بمشاعر الآخرين دوراً مهماً في حياتنا العملية من إدارة، مبيعات، تسويق أو حتى علاقاتنا الشخصية مع الآخرين وتعد صفة أساسية للقيادة في شتى المجالات. ويشغل التعاطف التصميمي اليوم أهمية عظمى للصناعات الابداعية مجملاً كونه مدخل من السهل الممتنع الذي ينمي حس الاستماع لدى اصحاب الأعمال لانتاج ابتكارات ومنتجات تضمن نجاحها في سوق العمل لأن أساسها الاستماع لحاجات ورغبات الناس.
تسهّل قنوات الاتصال الغير لفظية قراءة المشاعر للمقابل وتتكون من (مستوى الصوت، الإيماءات الجسدية، تعابير الوجه) ومن أهم عوامل التعمق بعملية التعاطف الحوار والاستماع. حيث يتطلب الحوار استماع ويتطلب الاستماع الانصات والتركيز، الفهم، الرد والاستجابة واخيراً تذكر ما قيل خلال المقابلة/الحوار.
ربما بوسع الأمهات توضيح أهمية التعاطف أكثر مني، كونهنّ أمهر ممارساته على الدوام منذ وضع طفلهن الأول. وبالحديث عن الأطفال، تقول التجارب أن غالب محاولات الاطفال لتجربة شيء جديد -سواء كان خطراً أم لا- ينبع من رغبة الشعور، فلو تخيلنا ان هناك طفلين ذي بضعة أشهر وقام الأول بعضّ أصابعه وبالطبع اجهش بالبكاء فوراً بعد ذلك. غالباً الطفل الثاني سيمارس التصرف ذاته تلقائياً وهذا التصرف نابعاً من رغبته بالشعور بما يشعر به الطفل الأول. بالعودة للأمهات، في الأشهر الاولى قد تخوض الأم موقفاً كلاسيكياً وهو بكاء رضيعها لسبب تجهله مما يجعلها تتمنى ان تشعر ما يمر به من عواطف ليتسنى لها تهيئة العناصر المناسبة لاسترجاع شعور الرضى لدى الرضيع. وهو بالضبط موقف يعكس أهمية التصميم التعاطفي كونه يسعى لمعرفة جذور حاجة المستخدم مستعيناً بأدوات التواصل الأساسية ساعياً لاستخراج حلول تجمع الرغبات، قابلية التنفيذ وضمان البقاء.
والآن لنقم بإعادة صياغة المشهد بعد معرفة أوليّة عن التعاطف..
يدخل الباب بهدوء.. يقترب من منطقة الجلوس، يجلس بالقرب منك، يستأذنك ويسأل ان كنت بخير.. يستدرجك بتفريغ عما يجول بجعبتك بأسئلة مترابطة، يستمع لجوابك ويتطرق لتفاصيل مرت خلال الحدث لم تطرأ ببالك، يسأل “لماذا” بشكل متكرر. ثم يعود بالحوار إليك، يقوم بتقديم نفسك لنفسك عن طريق سرده لمنظوره الشخصي عنك وسماتك الشخصية ونقاط القوى، بعدها يستشيرك في أمر بسيط، ويشعل احتمالات متعددة لبدايات جديدة. يبتعد شيئا فشيئا تاركاً مساحة للنمو وفرصة لعودة حوار جديد..
شكراً لوصولكم حتى نهاية هذا المقال وهو جزء من تحدي كتابة ٣٠ مقالة خلال ٣٠ يوم، بامكانكم مساعدتي عبر اقتراح مواضيع للكتابة / طرح أسئلة في المجال.